مواجهة الإياب تستدعي التوازن النفسي والتحضير الفني والبدني
عمان - عشرون دقيقة "مجنونة" آذهلت لاعبي منتخب كوريا الجنوبية لكرة القدم ومدربهم موو، وكانت كفيلة بأن يعود منتخبنا الوطني الى عمان من سيئول بنقطة ثمينة ربما تكون الاثمن حتى الآن في تصفيات المونديال الحالية.
مجريات المباراة كانت تشير الى خسارة محتملة لـ"النشامى"، فالاداء كان سيئا للغاية واللاعبون لا يقوون على مجاراة سرعة اللاعبين الكوريين ومهاراتهم الفردية، الى جانب هتافات نحو خمسين الف متفرج احتشدوا في الملعب الاولمبي وشجعوا منتخب بلادهم بحرارة.
كانت عيون الجهاز التدريبي لمنتخبنا بقيادة البرتغالي نيلو فينجادا تقول بأن الخسارة واقعة لا محالة، وعلامات الغضب على الاداء كانت بادية على المدربين والقلق يساورهم من تقلص فرص المنافسة على احدى بطاقتي التأهل الى المرحلة الرابعة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال جنوب افريقيا.
والجماهير الاردنية التي جلست تتابع المباراة عبر قناة الجزيرة الرياضية المشفرة الثانية، كانت غاضبة لانها لا تقوى على المشاهدة عبر القنوات المفتوحة، وباتت في ظل موجة الغلاء وانحسار الدخل اكثر حيرة، ومرغمة على الاشتراك تارة مع (ART) وتارة مع الجزيرة، وكانت تلك الجماهير غاضبة اكثر على اداء المنتخب حتى الدقيقة 70 من زمن المباراة، التي كانت تشير الى سيطرة مطلقة للكوريين الجنوبيين، الذين هاجموا من مختلف المحاور وسنحت لهم عدة فرص للتهديف، في الوقت الذي تقوقع فيه منتخبنا في الثلث الاخير من الملعب مدافعا بأكبر عدد من اللاعبين.
المتابعون حملوا على الجهاز التدريبي للمنتخب بسبب اسلوب اللعب الدفاعي البحت، بحيث لعب منتخبنا حسب طريقة 5/4/1، فكان يدافع بتسعة لاعبين ولا يهاجم بأكثر من خمسة لاعبين، بل ان المهاجم ثائر البواب وقع بين فكي الكماشة الدفاعية الكورية دون ان يتمكن من الخلاص منها، وباءت محاولات عدي الصيفي وعبدالله ذيب وحسونة الشيخ وبهاء عبدالرحمن في توفير الاسناد الهجومي بالفشل.
أما الكوريون الجنوبيون فقد لعبوا وفق اسلوب 3/4/3، فكان الهجوم الهادر طابع الاداء وبالتوازن في الشق الدفاعي تحسبا من الهجمات المرتدة لمنتخبنا، وتنوعت حلولهم الهجومية بين الاختراق من طرفي الملعب وعمقه الى التسديد من خارج المنطقة عبر المواقف الثابتة التي تعددت من قبل لاعبينا على مشارف منطقة جزاء الحارس لؤي العمايرة، او المواقف المتحركة بعد ان توفرت المساحات الفارغة امام اللاعبين الكوريين.
مبالغة ام واقع ؟
مبالغة منتخبنا في تنفيذ الشق الدفاعي "قتلت المباراة" وجعل اداء "النشامى" غير لائق، بل ان توالي الزخم الهجومي الكوري اجبر لاعبينا على ارتكاب الاخطاء، فوجد المحترف بارك جي سونغ نفسه وحيدا بلا رقابة بين ستة من مدافعينا، وهو يستقبل الركلة الركنية ويضعها في المرمى، ليأتي الهدف الثاني بعد دقيقتين من بدء الشوط الثاني بعد ارتكاب حاتم عقل لمخالفة بدأت خارج المنطقة لكن الحكم الاسترالي مارك شيلد احتسبها في داخلها، فكانت ركلة الجزاء التي ترجمت الى هدف.
تلك المبالغة في الشق الدفاعي رآها البعض على انها "شر لابد منه"، فمنتخبنا يعرف قدراته جيدا امام فريق كبير كالمنتخب الكوري الجنوبي، الذي يصنف من بين افضل خمسة منتخبات آسيوية، الى جانب صولاته وجولاته في بطولات كأس العالم السابقة، فكان "الانفتاح الهجومي" اشبه بمن يقدم على "الانتحار"، لأن ذلك سيمنح اللاعبين الكوريين فرصة كبيرة لاستغلال المساحات الفارغة في طرفي الملعب وعمقه نظرا لسرعتهم الفائقة وامكانية تسجيل اكثر من الهدفين اللذين تم تسجيلهما.
بيد أن بعضا آخر من خبراء اللعبة والمتفرجين وجدوا في "الاداء الدفاعي البحت" فرصة امام المنافسين للضغط بقوة والحصول على فرص عديدة للتسجيل، في حين ظهر واضحا ان منتخبنا قد امتلك لياقة بدنية عالية اسعفت نجومه على اللعب لمدة 95 دقيقة ملعوبة دون ان يظهر التعب والارهاق عليهم، بل ان ذروة النشاط الحركي والفكري لمنتخبنا تجلت في آخر 25 دقيقة من زمن المباراة، فانكشفت القدرات الدفاعية الكورية وحين جاءت لحظة الجّد والحقيقة واختبر الحارس الكوري كيم يونغ، ابدع منتخبنا وسجل هدفين بواسطة النجم البديل حسن عبدالفتاح، الذي شكل مع البديل الآخر مؤيد ابو كشك ورقتين رابحتين اثمرتا في الوقت المناسب، دون ابخاس بحق بقية النجوم الذين تحملوا مصاعب كثيرة وهم يحملون النتيجة الى بر الامان حتى الثواني الاخيرة.
الحظ يساند المنتخب
قد يقول قائل بأن الحظ وقف معنا في مواجهة كوريا الجنوبية بعد ان تخلى عنا في مواجهة سابقة امام كوريا الشمالية، حيث سجل منتخبنا هدفين عبر ست فرص سنحت له على النحو التالي:
- اختراق من عدي الصيفي وتسديد كرة في الزاوية ردها الحارس الكوري بصعوبة.
- تمريرة من مؤيد ابو كشك نحو علاء مطالقة عكسها عرضية أخذها حسن عبدالفتاح لترتد من الحارس ثم يعيدها بمهارة فردية في الزاوية المعاكسة.
- ركلة حرة مباشرة من علاء مطالقة ارتدت من الحارس دون ان تجد من يكملها في الشباك.
- تمريرة في العمق من علاء مطالقة لحق بها حسن عبدالفتاح وسددها بيسراه من مشارف المنطفة استقرت في المرمى.
- تسديدة من علاء مطالقة مرت بمحاذاة القائم.
- توغل مصطفى شحادة بالكرة بمهارة وكاد ان يواجه الحارس لولا ان المدافع ابعد الكرة في اللحظة المناسبة.
وفي المقابل فإن المنتخب الكوري سنحت له نحو 20 فرصة حقيقية للتهديف فلم يسجل منها سوى هدفين، ولم يستثمر افضليته الواضحة والتي تجسدت بالسيطرة الميدانية وعدد الفرص بين خشبات المرمى وبعيدا عنها.
قد يقول بأن ما جرى خارج نطاق جهد الجهاز الفني ونتاج لحلول فردية واجتهاد من اللاعبين، وقد يقول قائل بأن الجهاز الفني اجتهد في وضع خطتي لعب مختلفتين واحسن الدفع بالاوراق البديلة في الوقت المناسب، وربما يتفق الكثيرون في هذا المقام على ان "درهم حظ خير من قنطار شطارة".
تشكيلة تحمل المفاجأة
يمكن القول بأن الزج بالمدافع محمد منير للمرة الاولى بعد ان تم ضمه مؤخرا كان خطأ فادحا لا سيما وان الجهاز الفني اهمل الزج باللاعب علاء الشقران الذي اثبت حضورا طيبا في المباريات السابقة، فكان الدفع بحسن عبدالفتاح مكانه بمثابة التعديل الجيد على الاداء وطريقة اللعب، كما ان مشاركة اللاعب مؤيد ابو كشك اضفت حيوية واضحة على الاداء، في الوقت الذي لم يقدم فيه المحترفون ما يبعث على الارتياح، فكان اداء ثائر البواب وعبدالله ذيب عاديا في الوقت الذي لم يحصل فيه خالد سعد على فرصة المشاركة في المباراة.
وتشكيلة المنتخب شهدت غياب ثلاثة او اربعة عناصر اساسية بداعي الإصابة وهي وسيم البزور وبشار بني ياسين وقصي ابو عالية ومحمود شلباية، وربما هذه الغيابات اجبرت فينجادا على الدفع بلاعب كحسن عبدالفتاح كان مهمشا في المباريات السابقة وامضى معظم وقته على مقاعد الاحتياط، لكن ثمة ما يبعث على الخوف في ان غيابات بعض اللاعبين لأي سبب كانت قد تسبب قلقا اكبر، فحتى اللحظة يمكن التساؤل عن البديل الجاهز للحارس لؤي العمايرة والمدافع حاتم عقل ولاعب الوسط عامر ذيب، وهؤلاء الثلاثة اثبتوا علو كعبهم في مباريات عديدة، كما ان كثرة الاصابات بين النجوم، تستدعي فتح "الملف الطبي" والتعامل مع الحالات بشكل مناسب، فلا يعقل ان تضم قائمة المنتخب هذا الكم الكبير من اللاعبين المصابين.
مباراة مقبلة مهمة
ما يهم اليوم هو النظر الى مباراة الاياب يوم السبت المقبل، فمنتخبنا بات يمتلك المزيد من الحظوظ لبلوغ المرحلة الرابعة من التصفيات، وستزداد هذه الحظوظ اذا ما تعثر المنتخب الكوري الشمالي امام نظيره التركماني اليوم، واذا ما تمكن منتخبنا من الاجهاز على المنتخب الكوري الشمالي في بيونغ يانغ يوم 14 حزيران/ يونيو الحالي.
وما يهم ايضا ألا يبالغ اتحاد الكرة في تهيئة المنتخب للمباراة المقبلة يوم السبت المقبل في ملعب الملك عبدالله الثاني، صحيح ان شحذ الهمم والمعنويات أمر مطلوب، ووقفة الجماهير خلف النشامى ضرورية، لكن المبالغة في الشحن النفسي الزائد للاعبين قد تأتي بنتائج عكسية، لا سيما وان بعضا من الجماهير لا يعرف كيف يشجع منتخبنا وينال من معنويات اللاعبين عبر هتافات تفوح منها رائحة النادوية، وتنال من كرامة اللاعبين ومعنوياتهم، ولنا فيما جرى خلال لقاء المنتخب امام كوريا الشمالية في عمان عبرة.

No comments:
Post a Comment